شاي الحبق | توليفة سعودية

16 سبتمبر 2025
Taolefah
شاي الحبق | توليفة سعودية

في زوايا البيوت السعودية، هناك نكهات لا تُكتب لكنها تُعرف، وروائح لا توثّق لكنها تُشعر.

من بينها، يظهر الحبق كواحد من أكثر الأعشاب ارتباطًا بالذاكرة الجماعية… ليس فقط كمكون، بل كطقس، كحالة، كأثر.


الحبق، ويُعرف في بعض المناطق بـ”النعناع الحساوي”، ليس مجرد عشبة تُقطف وتُغلى.

إنه نَفَس البيت، تنفس المجلس، ولغة من لغات العناية.

إذا كان الشاي في السعودية رفيقًا يوميًا، فإن شاي الحبق تحديدًا هو الشاي الذي يُقدَّم عندما تريد أن تقول دون كلام: أنت في مكانك.


ما هو شاي الحبق؟ وكيف أصبح توليفة؟


الحبق نبات عطري ذو أوراق خضراء صغيرة، تملأ المكان بعطر فريد ما إن تُفرك بين الأصابع.

لكنه في السعودية ليس مجرد نبات.

إنه امتداد لمشهد منزلي قديم:

أم تزرعه في فناء البيت،

أو جدة تحتفظ به ملفوفًا بقطعة قماش رطبة،

– أو مجلس تُقدَّم فيه أكواب صغيرة من الشاي، تفوح منها رائحة تُعيدك دون وعي إلى مكان كنت فيه مرتاحًا.


شاي الحبق ليس وصفة اخترعت فجأة، بل توليفة نشأت طبيعيًا من تفاعل الذوق المحلي مع الأعشاب المتاحة، ومع حسّ الضيافة المتجذر في الثقافة.

حين بدأ الناس في إضافة الحبق للشاي الأسود، لم يفعلوا ذلك للنكهة وحدها، بل للشعور.

فهو يلطّف حرارة الشاي، ويضفي عليه عطرًا ناعمًا يملأ المكان قبل أن يصل إلى الفم.



ليس شايًا فقط… بل مشهدٌ كامل


لنفترض أنك ضيف في بيت سعودي.

بعد السلام والترحيب، يُحضَّر لك الشاي.

لكنك لا تشم فقط الشاي، بل الحبق.

أوراق خضراء طازجة، أو مجففة بعناية.

تُوضع في الإبريق أو تُضاف للكوب مباشرة.

الرائحة تعمّ، والبخار يصعد، والمجلس يتغيّر.


الشاي هنا ليس مجرد مشروب يُسكب، بل مشهد يُصنع بهدوء.

والحبق فيه ليس إضافة… بل ممثل رئيسي في المسرح.


رمزية شاي الحبق في الثقافة السعودية


في الثقافة السعودية، ليس كل شاي يُقدَّم بنفس الطريقة.

هناك شاي للضيوف الرسميين، وشاي للمساءات الطويلة، وشاي بعد الغداء…

لكن شاي الحبق يحتل مكانة مختلفة:

هو شاي القرب.

يُقدَّم حين يكون الجلوس مطوّلًا، أو الحديث شخصيًا، أو الضيف مقرّبًا.

هو شاي لا يُضبط فيه الطقس، بل يُضبط فيه الإحساس.


لذلك، فهذه التوليفة تمثل تجربة اجتماعية قبل أن تكون مذاقًا.

كل رشفة منها تقول شيئًا عن البيت، عن الذوق، عن العلاقة بين الناس.

بين الأصالة والهوية الحديثة


حين أعدنا تقديم “شاي الحبق – التوليفة السعودية”، لم نُعد ابتكار شيء جديد.

بل أعدنا ترتيب ما هو أصيل، بلغة معاصرة تليق بالجمال، وتحترم الذاكرة.


في كل عبوة من هذا الشاي، اجتمعت أوراق الشاي الأسود الفاخر مع أوراق الحبق بعناية، لتخلق نكهة متزنة:

لا هي جارحة، ولا باهتة.

بل تترك الأثر كما تترك الرائحة: هادئة، لكنها لا تُنسى.


هذا الشاي ليس حكرًا على السعوديين.

بل هو دعوة لكل من يريد أن يفهم شيئًا من هذه الثقافة، لا بالكلام، بل بالمذاق.

أن يشرب ما نشرب، ويشمّ ما نشم، ويعيش لحظة كما نعيشها نحن.


رسالة من الحبق: الشاي ليس طعمًا فقط


في النهاية، شاي الحبق السعودي لا يُعرَف من مكوناته فقط.

بل يُعرَف من أثره بعد أن يُشرب.

من انطباعه الذي يبقى، من سكينته التي تحلّ، من شعوره الذي يُشبه أن تكون في بيتك… حتى وإن لم تكن.


هذه التوليفة ليست منتجًا.

إنها جسر بين الجذور والذوق، بين البيوت القديمة والمجالس الحديثة، بيننا وبين من يريد أن يتعرّف علينا من الداخل… كوبًا بكوب.